القاهرة (رويترز) - أغضب المسؤولون في مصر التي تعاني قلة موارد المياه نظراءهم في دول حوض النيل منذ وقت طويل بالتشبث باتفاقات مياه تعود لحقبة الاستعمار تمنحهم نصيب الاسد من المياه التي تتدفق في أطول أنهار العالم.
لكن دول المنبع التي هي في حاجة ماسة للتنمية تأمل باغلاق ملفات الماضي وتهدد بالمضي قدما في اتفاق لا يتضمن مصر القوة الاقليمية الكبرى مما قد يعمق صراعا مريرا بالفعل على موارد المياه في أنحاء المنطقة التي تعاني الجفاف.
وقال جمال سلطان رئيس مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية انها أزمة في علاقات مصر مع دول حوض النيل.
ويمكن ان تخل الخصومة بالتوازن بين دول المنبع الفقيرة ومصر كبرى الدول العربية سكانا حيث تهدد التغيرات المناخية قطاع الزراعة الهش هناك والتي يمكن أن تتجاوز الزيادة السكانية بها الموارد المائية بحلول عام 2017 .
وجرى أحدث فصل من فصول النزاع طويل الامد على مياه النيل عندما أعلنت دول المنبع بعد اجتماع عقد في شرم الشيخ هذا الشهر انها ستبدأ محادثات منفصلة مادامت مصر والسودان ترفضان تعديل اتفاقات المياه التي تعود الى عام 1929.
وقال مفيد شهاب وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية في مصر أمام مجلس الشعب المصري بعد محادثات شرم الشيخ ان حقوق مصر التاريخية في مياه النيل مسألة حياة أو موت وان مصر لن تتهاون بشأنها.
وتمنح اتفاقية عام 1929 التي مثلت القوى الاستعمارية البريطانية في افريقيا أحد جانبيها مصر 55.5 مليار متر مكعب سنويا وهي أكبر حصة من المياه المتدفقة في النهر وتبلغ 84 مليار متر مكعب.
كما انها تمنح مصر حق الاعتراض على اقامة سدود وغير ذلك من المشروعات المائية في دول المنبع التي تضم ستا من أفقر دول العالم.
وقال محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري المصري بعد الاجتماع ان مصر لن توقع على اي اتفاق لا يقرر بوضوح ويعترف بحقوقها التاريخية.
ولكن محللين يقولون انه يتعين على مصر التي تسعى لتقديم نفسها كقائد للدول العربية والافريقية من أجل تعزيز ثقلها على الساحة الدولية أن تحسن علاقاتها مع دول المنبع التي يمكن أن يكون لها أهمية اقتصادية وتجارية في المستقبل.
وقال شيميلس كمال المتحدث باسم الحكومة الاثيوبية التي ينبع من أراضيها النيل الازرق "حاولت مصر في السابق تعقيد القضية ... انهم يتلكأون"
وقال اسحق موسومبا وزير الدولة الاوغندي للتعاون الاقليمي ان مصر والسودان "تدفعان من أجل وضع ينقض كل شيء أنجزناه طوال سنوات من المحادثات والمفاوضات."
ودعت دول المنبع مصر والسودان للمشاركة في اتفاق جديد لكن بشروطها وان كانت الشكوك تحيط بموقفه القانوني. وقال كريستوفر تشيزا نائب وزير المياه والري التنزاني "نأمل أن نقنعهم."
وأثار الحديث عن مثل هذا الاتفاق القلق في مصر حيث تغذي مياه النيل قطاع الزراعة الذي يعمل به نحو ثلث اجمالي الوظائف.
ولا يمكن أن تعتمد مصر -على عكس دول المنبع- على الامطار وهي تحصل على 87 في المئة من احتياجاتها المائية من نهر النيل.
وطبقا لتقديرات الامم المتحدة فان تغير المناخ وارتفاع منسوب مياه البحر يمكن أيضا أن يبتلع المزيد من الاراضي الخصبة المحدودة في دلتا النيل بمصر وهي بالفعل أكبر مستورد للقمح في العالم مما يكلفها 35 مليار دولار هذا القرن.
ويمكن أن تؤدي اقامة المشروعات الكبرى مثل استصلاح الاراضي أو بناء السدود في دول المنبع لزيادة الضغط على استخدام المياه في مصر.
ولكن حتى اذا وقعت دول المنبع الاتفاق الجديد وهو ما قد يحدث اعتبارا من 14 مايو أيار فانها ربما لا تملك القوة المالية على المدى القريب لبناء سدود ومشاريع أخرى يمكن أن تتيح لهم سحب المزيد من المياه من النيل.
وقال صفوت عبد الدايم أمين عام المجلس العربي للمياه انه من الناحية العملية حتى اذا وقعت هذه الدول اتفاقية اطارية بدون مصر فان اثارها لن تصمد. وتساءل عبد الدايم قائلا كيف يمكن لدول المنبع وقف تدفق المياه...
واضاف انه من السابق لاوانه القول بان دول المنبع ستبني سدودا مما يؤدي الى أن مصر لن تحصل على المياه وأن الزراعة المصرية ستتراجع بشدة.
ومن ذلك أيضا انه من غير المرجح أن تقدم الجهات الدولية المانحة والبنوك التمويل اللازم لبناء مشروعات مائية في دول المنبع خشية التورط في خلافات دبلوماسية اقليمية.
ويقول محللون ان توقيع اتفاق جديد يمكن مع ذلك أن يعزز الاستثمارات في مشروعات استصلاح الاراضي في الدول الافريقية ويساعد في جذب الاستثمار الاجنبي في الاراضي الزراعية بدول المنبع.
وقالت عزيزة أخموش المحلل في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "ان توقيع اتفاق جديد يمكن أن يكون جيدا للمستثمرين المحتملين بشرط أن يغطي فترة طويلة وأن يكون قابلا للتنفيذ."
وأضافت "يمكن أن يقلل حالة عدم اليقين الحالية بشأن المياه المتاحة مستقبلا."
ويهدد النزاع الحالي بتآكل ثقل مصر في المنطقة.
وقال شريف الموسى خبير السياسات المائية بالجامعة الامريكية في مصر "فقدت مصر الكثير من تأثيرها في افريقيا وبددت الكثير من أوراقها".
وقال سلطان انه يتعين على مصر ألا تتشبث باتفاقات مياه تاريخية بل ينبغي أن تركز على المحادثات الثنائية مع كل دولة أو أن تأخذ قضيتها الى التحكيم الدولي.
وقال أسامة الغزالي حرب الذي يتزعم حزبا ليبراليا معارضا ان مصر في حاجة الى انتهاج سياسات اكثر شمولا تهتم بالعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية.
ويبدو أن الحكومة المصرية تسير على هذا الطريق. فقد تعهدت بمضاعفة الاموال المخصصة لمشروعات التنمية مع دول المنبع.
كما انها تحاول ترشيد استخدام مياه النيل. فقد خفضت من زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه مثل الارز وهو محصول رئيسي للتصدير ولكنها يمكن أن تشهد تراجعا في انتاج الذرة بنسبة 47 في المئة.
ويقول خبراء ان مصر لا تتحرك بسرعة كافية لخفض اعتمادها على مياه النيل أو تغيير تركيزها الدبلوماسي من توزيع حصص المياه الى كيفية استخدامها بشكل أمثل بين دول الحوض.
تحليل إخباري من دينا زايد