نوبات القلق:
عندما تم تعريف نوبات القلق، كانت الاستجابة لحالات الطوارئ تكمن في أخذ العقاقير المزيلة للقلق (من أنواع البنزوديازيبين)، وهذه المنتجات فعالة في تهدئة الأزمة بسرعة، ومع ذلك فإن من عيوبها أنها لا تحل المشكلة الأساسية، بل تخلق إدمانا وظواهر انتعاش وفي نهاية العلاج، تصبح الأزمات أكثر حدة.
والمعالجة الموضوعية (العلاج السلوكي) هي تعليم الشخص تحديد أزماته بشكل واضح، وأن يعترف بها بشكل صحيح، بالإضافة إلى معرفة التعامل معها، بما في ذلك تقنيات التنفس والاسترخاء، فالهلع (الفوبيا) أو الذعر المرضي هو حالة من الخوف التي تحدث في مواجهة حدث غير مرعب بطبيعته وهي بالضرورة تحتاج إلى علاج موضوعي.
هناك عدة أنواع من الرهاب:
1- الذعر المحدد:
وهو يصيب الذين يخافون من القيء أو التغوط علي أنفسهم، وعلى سبيل المثال عازف البيانو "جلين جولد" كان مصابا بهذا النوع من الفوبيا، خوفا من الوقوع في أزمة أثناء عرضه، ولم يكن يغادر دون أن تكون جيوبه مليئة بالأدوية المضادة لالتهاب الحلق والمعدة.
ربما كان العرض نفسه والجمهور هما السبب، لكنه كان يربط بين هذا الخوف مع حالة مرضية محددة عنده.
هذا هو مبدأ الذعر:
التوعك أو (آلام المعدة والغثيان) ونجده يتزامن مع القلق والانزعاج، وفي نهاية المطاف، القلق يؤدي إلي الانزعاج، بالتالي يصبح الخوف مزمنا، وهذه المخاوف المرضية يمكن أن تصبح معطلة حتى أن الأشخاص الذين يعانون منها ينغلقون علي أنفسهم في منازلهم ويخشون الخروج، كما في حالة الخوف من الأماكن المكشوفة (بالنسبة لأولئك الذين يخشون من الشارع والجماهير).
2- الذعر الاجتماعي:
مثل كل أنواع الذعر، يوجد في مراحل مختلفة، فقد يكون شخص ما يخشى من النظر في عيون الآخرين ويبدو محمر الوجنات خجلا، إن الخوف من الاحمرار يتسبب تلقائيا في الاحمرار ومن ثم الوقوع في حلقة مفرغة.
فالشخص المريض يخاف من أن يكتشف انزعاجه في نهاية المطاف من قبل الآخرين، ومن ثم فهو يتجنب الاحتكاك بهم، وهو ما يعرف باسم (الرهاب الاجتماعي) وقد يحدث في الاضطرابات النفسية مثل الفصام، هذا الذعر يمكن أن يعطل الحياة بشكل كامل، مما قد يصل إلى فشل الطلاب في الاختبارات الشفوية.
3- الرهاب في مواجهة العناصر الطبيعية:
العناكب والفئران والحمام، هذه المخاوف قد تكون مثيرة للضحك، ولكنها يمكن أن تسبب ذعرا حقيقيا بين الناس المعنيين، فالانزعاج الذي يشعر به الشخص مطابق تماما لأزمات الذعر، من تعرق وهزات، وغثيان، وإثارة، وعدم انتظام دقات القلب وما إلى ذلك.
ويأتي الخوف من الماء ضمن هذا النوع من الخوف الذي يمكن أن يحدو بالشخص المعني أن يخشي من الغرق في كوب من الماء بمفعول الخوف، وأنه يجب عليه أن يشرب ببطء خوفا من أن يدخل الماء إلي أنفه.
والعلاجات طويلة وحساسة، ونفس الطريقة بالنسبة لهجمات الذعر، يفمكن أن نلجأ في أوقات الأزمات إلي أخذ الأدوية المزيلة للقلق، كالشخص المضطر لركوب الطائرة على الرغم من خوفه.
لكن العلاج الأساسي الأكثر فعالية هو العلاج الإدراكي السلوكي، حيث نضع الشخص تدريجيا في المواقف المخيفة، وفي باديء الأمر يجب التحدث إلى الطبيب المعالج له لوضع الكلمات ذات الصلة بمخاوفه التي هي بالفعل مصدرا لقلقه.
وعلى سبيل المثال، الشخص الذي يعاني الخوف من التقيؤ سوف يجد صعوبة في النطق بالعبارة التي تعبر عنه، هذه هي الخطوة العلاجية الأولى، ثم بعد ذلك يجب وضعه في الموقف، فعلى سبيل المثال يزعم أنه يتقيأ ويجب أن يكون محاطا بأسرته، مما يتيح له أن يرى أن النظرات الخارجية ليست عدوانية، بل تعاطفية.
المرحلة الأخيرة من العلاج قد تكون من خلال أخذ دواء يجعله يتقيأ للتحقق من أن الشعور بالضيق ليس قاتلا، وأنه حتى لو كان هذا الوقت غير سار للجميع، فإنه لا يمثل كارثة حيوية بالنسبة له.
فالعلاج سيكون من حيث الجوهر هو نفسه لجميع أنواع الرهاب، وسيتم وضع المريض المصاب بالرهاب على مراحل في مواقف لمواجهة الحشد المتجمع من الناس، فالشخص الذي يعاني خوفا مرضيا من الأماكن المغلقة سيكون أولا بصحبة أفراد ثم يكون وحده في مصعد علي سبيل المثال، وما إلي ذلك.
الوسواس القهري أيضا له تأثير معوق للحياة:
يكون الشخص في حالة اضطراب شديد ويسعى للسيطرة على الأحداث في حياته، فطريقته في التصدي لما يعانيه من القلق تخيم على كل لفتات حياته في وسيلة للسيطرة الوهمية.
- هناك الذين يعانون من فوبيا التلوث:
أولئك الذين يغسلون ثم يكررون غسيل الأدوات أو أدوات الطعام بفعل الذعر من الميكروبات.
- هواجس التعرض لهجمات:
أولئك الذين يتحققون عشرات المرات من إغلاق الباب أو أن الأغراض قد تم وضعها في أماكنها.
- الهوس المنزلي وترتيب الأغراض:
دائما يكون الشخص في حالة خوف من الأوساخ والمرض وفقدان السيطرة على الأحداث.
- ونجد أيضا الهواجس الحسابية:
هؤلاء هم الناس الذين يحصون ويكررون إحصاء الأرقام والأشياء للاطمئنان، ويفعلون ذلك بشكل هوسي ودائما يجرون نفس الحسابات المثال، وهم يفعلون ذلك لقهر القلق الذي يشعرون به تجاه الحياة ومخاطرها.
كل هذه الطقوس، الحوسبة أوالتخزين أو الغسيل هي مجرد طرق وهمية لتصور إبقاء السيطرة على الحياة التي تخيفه.
الحلول التي يمكن اتباعها:
هذه الوساوس القهرية مؤلمة للغاية بالنسبة للشخص الذي يعاني منها، وكذلك بالنسبة للمحيطين به في الحياة اليومية التي تصبح كابوسا، فالأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري في كثير من الأحيان يصبحون أشخاصا مستبدين منزليا، فتكون كل الحياة الأسرية خاضعة لهذه الطقوس، ونجد الغضب أو التهيج من المحيطين فقط يزيد من الخوف لدى المريض.
ومرة أخرى، نجد أن العلاجات المعرفية والسلوكية هي الأكثر ملاءمة، لكن العلاجات طويلة ومقيدة، كما نتحدث أيضا عن أنواع اضطراب القلق العام، فهي تحدث بشكل متكرر أكثر في صفوف النساء والشباب، وفي هذه الحالة يكون عدم اليقين بشأن المستقبل، وعدم السيطرة على المستقبل هما مصدر القلق الدائم الذي يقود الناس ليعانوا من المخاوف في كل وقت، فهم ينظرون إلي المستقبل باعتباره خطيرا ومصدرا للكوارث.
وهذا يمكن أن يسبب أعراضا كثيرة منها الإرهاق واضطرابات النوم، والألم، بل وحتى حالات التهيج العصبي.
واضطراب القلق العام هذا، والذي كان يسمى سابقا (عصاب القلق) يتسم بصفتان رئيسيتان:
- الانتظار المقلق:
وهو من الأعراض الأكثر شيوعا والأكثر استدامة على مر الزمن، فالعلامات الأكثر شيوعا هي الشعور بعدم الأمن في انتظار تهديد مبهم، والمبالغة في أقل الأمور إقلاقا، مع الإصابة بنوبة مرضية شديدة مساء، أو الخوف من الموت الوشيك.
- نوبات القلق:
وعلي العكس هي أكثر ندرة ولكنها أيضا تحدث أكثر بشكل مفاجئ دون سابق إنذار، والأعراض هي نفسها تلك التي تحدث من الهلع المرتبط بأعراض جسدية، كارتفاع ضغط الدم، وزيادة ضربات القلب، واضطرابات القلب والأوعية الدموية، والسعال، واضطرابات الجهاز الهضمي، والاضطرابات البولية التناسلية، والصداع واضطرابات النوم.
واضطرابات القلق العامة قد تكون علامة على الاكتئاب أو قد تؤدي إلى الاكتئاب، خصوصا أن هذه الاضطرابات من الصعب أيضا التعايش معها وسط المحيطين، الذين يكونون أكثر أو أقل سرعة في فقدان صبرهم وعدم التعامل بجدية مع المخاوف المتكررة للشخص.
الحلول الممكنة:
1- التحليل النفسي التقليدي يتيح فهم منشأ القلق وآلياته، ولكنه لا يقدم دليلا ملموسا على فعاليته في هذا النوع من الأمراض.
2- العلاج السلوكي أو مضادات الاكتئاب المرتبطة بحالة الاكتئاب يظلان أفضل الحلول.
القلق (اضطرابات ما بعد الصدمة):
هذه الاضطرابات من الأسهل تحديدها، وهذا ما يطلق عليه الأطباء النفسيون اضطرابات ما بعد الصدمة (Post traumatic stress disorder).
على سبيل المثال، شخص ما تعرض لهجوم على يد رجل يرتدي سترة سوداء، يصبح خائفا من أي شخص يرتدي سترة سوداء، فلمجرد رؤيته لسترة سوداء يتذكر الحادث الصادم ومسببات القلق.
علاج اضطرابات القلق عن طريق العقاقير:
هناك نوعان رئيسيان من خيارات العلاج هما العلاج الطبي والعلاج السلوكي، وفي حالات الطوارئ نستخدم مزيلات القلق من نوع البنزوديازيبين ولكن هذه العلاجات لها العديد من الآثار السلبية، فهي بمثابة عكاز مفيد في أوقات الأزمات، ولكنها أيضا تؤدي إلى الإدمان الذي يمكن أن يصبح في حد ذاته مرضا جديدا.
وهذه الاستراتيجية ليست فعالة على المدى الطويل لأنها تحجب السبب، وإذا كان يمكنها معالجة الموقف مؤقتا فهي تعتبر خطرة، وهي لا تتيح إدراك أن هذا الموقف على وجه التحديد لا تشكل أي خطورة في واقع الأمر.
وفي العلاج العميق بالعقاقير، يمكن للطبيب أيضا وصف مضاد للاكتئاب، وهذا الدواء لديه القدرة على تنظيم المزاج، ولكنه يؤدي إلى الإدمان.
- العلاج السلوكي:
يقوم الطبيب المعالج بشرح الآليات النفسية التي تسبب معاناة للمريض، فيعلمه الاسترخاء، ويعلمه كيفية التعامل مع هذا الحدث المخيف، وقبل كل شيء، يتعلم تدريجيا التعامل مع الحالة التي هي مصدر للقلق، فقط من خلال مواجهة الوضع في حالات مطمئة، حيث يتسني للشخص أن يتحقق من أن هذا الأمر لا يشكل خطرا حقيقيا.
مقابلة مع الدكتور جيرارد ماكورون وهو طبيب نفسي في مستشفى سانت آن في باريس:
- ما هي الأسباب الرئيسية لاضطرابات القلق؟
ليس هناك أسباب عالمية، فكل شيء يعتمد على خبرات الشخص المصاب بالقلق وأحداث حياته، وقد يكون هذا الاضطراب ناتجا عن معاناة عانى منها، وعلى سبيل المثال معاناته لانفصال والديه في مرحلة الطفول.
والمبدأ هو أن شخصا ما يشعر بالقلق الشديد حيال وقت ومكان واحد، ويربط هذا الوقت وهذا المكان مع ما يشعر به من الأعراض، فهو يخلط بين مختلف الأحاسيس، فتتسبب
اضطرابات الخوف في إفراز الأدرينالين بكميات كبيرة، مما يتسبب في مختلف حالات القلق التي ترتبط مع العنصر المثير للذعر، مثلا في مواجهة قطة، يشعر الشخص الذي يخاف منها بالغثيان ويصاب بالتعرق في حين أن القطة ليست سببا في ذلك.
وفي أساس كل شيء، هناك الخوف من فقدان السيطرة على أحداث الحياة، ورفض السماح بالانطلاق، وهذا ما ينبغي علي المعالجين العمل عليه، حيث يجب عليهم جعل المريض يتقبل عدم اليقين الكامن في أعماق الحياة في نهاية المطاف.
- كيف يمكن لشخص يعاني من الخوف المرضي، على سبيل المثال أن يذهب لاستشارة طبيب نفسي؟
هناك بعض الأشخاص الذين يعانون من الذعر المرضي يميلون إلى الفرار من مخاوفهم من خلال تناول الكحول أو العقاقير، ومن الصعب جدا على مريض الهلع الرهابي أن يتحدث عن حالته المرضية، فمجرد التلفظ ببعض الكلمات يكون مصدرا للألم.
لذا فإننا لا نرى كثيرا سوي الحالات الأكثر تعقيدا من خلال حالات الاكتئاب المتفاقمة، أو محاولات الانتحار، أو الإدمان على الكحول على سبيل المثال، ولكن بعض الناس الذين يدركون أن خوفهم ليس له أساس موضوعي، يأتون إلينا للتخلص من هذا العجز.
- ماذا تقترح علي هؤلاء الناس لإيجاد حلول؟
نحن نشرح لهم آليات الخوف وفوق كل شيء، بفضل طرق العلاج السلوكي، تمكنا من وضعهم في المواقف التي يخشون، منها حتي يقتنعوا بأن هذا الأمر في الواقع ليس خطرا، هذا هو الخيار الحقيقي الوحيد للعلاج.
وحين يتحقق الشخص بشكل ملموس من أن هذا الموقف ليس قاتلا، وهو ما يعرفه بالفعل، فكل تصوراته سوف تتغير بالكامل، فالجميع يعلم أن العنكبوت أو الجرذ ليس خطرا، حتى أولئك الذين يخافون من هذه الأشياء جدا، يتعين علينا جميعا أن نواجه الموقف بحيث يتكامل الجسد المادي ويسجل في ذاكرته أنه لا يوجد أي خطر كامن فيتولد لدينا شعور بالأمان